تجمع هذه الدراسة بين التحليل الاقتصادي القياسي ونموذج محاكاة مونت كارلو للوقوف على أبرز العوامل المحركة لانخفاض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) في قطاع البناء السعودي، مع التركيز بصفة خاصة على عامل كفاءة الطاقة. تستند الدراسة إلى بيانات تاريخية عن الفترة ما بين عامَي 1990 و2022 لتقييم تأثيرات كفاءة استهلاك الطاقة وأسعار الكهرباء والتوسع الحضري في خفض الانبعاثات الكربونية. ثم تستشرف هذه الدراسة التحليلية المسارات المحتملة لمستوى الانبعاثات حتى عام 2060، مدعومةً بالتحليل القائم على طريقة شجرة التصنيف والانحدار (شجرة القرار)، سعيًا إلى تحديد أبرز عوامل خفض الانبعاثات في ظل ثلاثة سيناريوهات للانبعاثات: منخفضة ومتوسطة ومرتفعة. تخلُص الدراسة إلى أن الزيادة البالغة 1٪ في شدة الكهرباء المستهلكة لإنتاج وحدة من الناتج المحلي الإجمالي تقابلها زيادة قدرها 0.30٪ في الانبعاثات الكربونية الناتجة عن المباني، في حين أن رفع أسعار الكهرباء بنسبة 1٪ يصاحبه انخفاض بنسبة 0.31٪ في مستوى الانبعاثات. وانتهت الدراسة كذلك إلى أن الزيادة بنسبة 1٪ في التوسع الحضري ترتبط بارتفاع مستوى الانبعاثات بنسبة 6.16٪. ويتضح من استكشاف السيناريوهات ضرورة رفع كفاءة استهلاك الطاقة بشكل جذري وتسعير الكهرباء على نحو يعكس التكلفة الفعلية، على أن يتم ذلك عاجلًا ودون إبطاء، من أجل تحقيق انخفاض حقيقي في الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2060. وفي المقابل فإنه في سيناريو الانبعاثات المرتفعة يتجلى قصور الحل المعتمِد حصرًا على الإشارات السعرية في سبيل خفض الطلب، لا سيما في ظل تسارع وتيرة التوسع الحضري وعدم إحراز تقدم كافٍ على صعيد رفع كفاءة استهلاك الطاقة. وتشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2060 ربما ينخفض نصيب الفرد من الانبعاثات الكربونية إلى نحو 4.45 طن (بانخفاض قدره 24.6٪ عن نصيب الفرد من الانبعاثات في عام 2022، الذي تتخذه الدراسة خط أساس لها، والذي يبلغ 5.9 طن) متى اتُّخذت إجراءات استباقية، وربما يرتفع هذا النصيب إلى 6.27 طن (بزيادة قدرها 6.4٪ عن خط الأساس) في حال استمرار الاتجاهات الحالية. وتسلط هذه النتائج الضوء على أهمية اتباع نهج متعدد المسارات للعمل على خفض الانبعاثات على نحو فعال. ودعمًا لقطاع البناء السعودي، لا سيما في جانب الطلب، تشير النتائج إلى ضرورة بذل جهود مبكرة وحثيثة تجمع بين التحسينات التقنية في رفع كفاءة استهلاك الطاقة وتغيير سلوكيات المستهلكين والتخطيط العمراني المتكامل والسياسات التي تتسم بالمرونة وقابلية التكيف مع الظروف المختلفة.